ويكيليكس، حين تخلط السياسة بالتقنية


كلنا سمع ما سمي بفضائح حكومات العالم التي هي عبارة عن مستندات سرية قام موقع ويكيليكس بتسريبها. لا أريد الخوض في البعد السياسي للقضية فهذه مدونة تقنية. هذا المقال سيلقي نظرة سريعة على بعض الأحداث التقنية المتعلقة بهذه القضية.

نظرة سريعة على كيفية تسرب المستندات
هذا النوع من المستندات لا يستطيع أي شخص الوصول إليه خصوصاً في أشد الحكومات حصانة من الناحية التقنية. الوصول لهذه المستندات لن يتم إلا عبر اختراق لخادمات إحدى الدوائر المعنية أو من خلال موظف يمتلك صلاحيات للوصول للبيانات بشكل أو بآخر وهو الاحتمال الأقوى. الخطأ التقني الذي من الممكن أن تكون الحكومات قد وقعت فيه هو إعطاء صلاحيات أكثر من المطلوب لأحد الموظفين وهذا النوع من الأخطاء شائع جداً ويسبب الكثير من المتاعب.

انتهاكات تقنية وغير تقنية
ويكيليكس سبب موجة غضب عارمة في الولايات الأمريكية وبريطانيا والسويد أكثر من أي مكان آخر وكان رد السويد مذكرة اعتقال على خلفية قضية اغتصاب لم تظهر إلا مع ظهور مستندات ويكيليكس الأخيرة وبناء عليها كلف الانتربول بالقبض على مؤسس الموقع. أما بريطانيا فاعتقلت مؤسس الموقع على خلفية تسريب المستندات دون توجيه اتهامات واضحة.
لكن ماذا حدث في أمريكا؟
1-قامت عدة قطاعات حكومية بحظر الوصول للمواقع التي تنشر المستندات على موظفيها لكن الانتهاك الحقيقي هو امتناع كل من باي بال وفيزا وماستر كارد وبنك أمريكا من التعامل مع الموقع وإيصال التبرعات للموقع وبالطبع هذا الأمر يعد انتهاك واضح لعدة قوانين أمريكية.
2-أما الانتهاك التقني هو مافعلته تويتر بتشفير تعليقات مؤيدي تويتر وأغلقت حسابات بعضهم وهو انتهاك واضح لحرية الرأي التي لطالما تغنى بها الأوروبيون والأمريكيون خصوصاً حين يتعلق الموضوع بمشاعر المسلمين لكن حين يمس الموضوع حكوماتهم فإن الحرية المزعومة تختفي فجأة.
3-أمازون التي كانت تستضيف موقع ويكيليكس قامت بإيقاف الموقع مدعية أنه قام بخرق اتفاقية الاستخدام الخاصة

الرد على هذه الانتهاكات
أكدت دول كروسيا واستراليا تضامنها مع الموقع ومؤسسه واستنكارها لهذه الانتهاكات لكن أبرز ردة فعل لم تكن كلاماً بل فعلاً. فقد أعلن فريق من المخترقين ملقب بـ”المجهولين” باسم 1500 عضو فيه بإعلان تضامنه مع ويكيليكس. وفي غضون ساعات استطاع مايقدر بـ5000 مخترق من إيقاف خدمات كل من ماستر كارد وفيزا وباي بال لعدة ساعات في وقت تبلغ فيه عمليات الشراء أوجها خصوصاً مع حلول موسم الأعياد. كذلك تمكن المخترقون من تعطيل موقع الحكومة السويدية وموقع القاضي الذي قام بإصدار مذكرة الاعتقال لعدة ساعات أيضاً. أما عن السبب الذي دفع كل هؤلاء للمشاركة في هذه الهجمات فهي الدفاع عن حرية الانترنت والتعبير عن الرأي ورفضاً لأي نوع من أنواع الرقابة. مجتمع المخترقين ليس متحداً في هذا التوجه بل هناك مخترقون آخرون معارضون لويكيليكس قاموا بالهجوم على جماعة “المجهولين” والإطاحة باحد خادماتهم. كما أن الشرطة الهولندية ألقت القبض على ولد يبلغ من العمر 16 عاماً بتهمة المشاركة في الهجوم الذي شنته مجموعة المجهولين. أما الهدف التالي للمجموعة فهو تويتر الذي أثبت أنه أداة لإبراز الآراء التي تدعم حكومات معينة ضد أخرى وإخفاء تلك التي تشوه صورة االحكومات الصديقة في محاولة لإعادة تجسيد معالم الرأي العام.
من وجهة نظري فالمستندات المسربة وإن كانت تحوي بعض الفضائح إلا أنها ليست ذات أهمية كبيرة وسرعان ماسينساها الناس خصوصاً وأن هناك فضائح أكبر كان الزمن كفيلاً بإغلاق ملفاتها وكل هذه التبعات وردات الأفعال تطيل عمر القضية وتزيد من أهميتها وانتشارها. فالموقف العربي من إيران تثبته العلاقات الحالية والحرب العراقية الإيرانية التي ينبغي أن تسمى بالعربية الإيرانية. وتقديم بريطانيا للمصالح السياسية والاقتصادية على دستورها وقانونها أثبتته صفقة اليمامة قبلاً والغزو العراقي وغيره من الأمور. أما لعب أمريكا لدور الشرطي فتثبته اعتراضات أعضاء في الجيش ومجلس الشيوخ والتدخلات الأمريكية في شؤون الكثير من الدول.

هذه الفضيحة إن أثبتت شيئاً فقد أثبتت أن الانترنت ليس حراً كما يعتقد الكثيرون.
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More